dimanche 14 avril 2013

مكتب سوسة :أجواء اليوم الدراسي تونس في عيون الأجانب


في إطار الأنشطة العلمية التي تقترحها الجمعية الوطنية للباحثين الشبان لمنخرطيها وللباحثين الشبان عموما، تمّ يوم الجمعة 12 أفريل 2013 وبالتنسيق مع قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة ومع إدارة الكلية عقد يوم دراسي بحصتين علميتين اخترنا أن نهتم من خلاله بالتمثلات الأجنبية للمجال التونسي وما يحيط بها خلال فترات متراوحة من تاريخها فكان عنوان اليوم الدراسي "تونس في عيون الأجانب". لقد وقع الاختيار على هذا الموضوع نظرا لما تكتسيه التمثلات والرؤى الأجنبية من أهمية عند تقصّي عبور الرحّالة ومحبي الاكتشاف الأجانب عبر التاريخ لدراسة المجال التونسي من زوايا نظر مختلفة ووفق مصادر متنوعة ومتعددّة. من خلال اختيار أعمال الباحثين الشبّان خلال هذا اليوم الدراسي، تمّ توجيه النظر إلى كيفية صياغة عابري  مجالنا على اختلافهم تصوراتهم حول البلاد التونسية وبلاد المغارب عامة.
انطلقت فعاليات الحصص العلمية بكلمة رئيس المكتب الفرعي للجمعية الباحث محمد العلاقي ثمّ استهلت الجلسات بمداخلة قيّمة لباحثة الدكتوراه في التاريخ القديم والباحثة بمركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة حسناء مصدّق بعنوان les témoignages littéraires d’une production du vin en Byzacène à l’époque ancienne.
وقد حاولت في مداخلتها تقديم أغلب المصادر الأدبية التي تحدثت عن زراعة الكروم بمنطقة الساحل التونسي "البيزاسان" خلال الفترة القديمة منطلقة من الفترة البونية إلى القرطاجية وموسوعة الفلاحة لماغون وصولا إلى الفترة البيزنطية دون نسيان الفترة الرومانية وما جادت به الكتابات الأدبية خلالها حيث لم تجعل من قرطاج مطمورة روما فحسب بل جعلت منها أيضا "مخمورة" روما. إذ بينت الباحثة من خلال المصادر الأدبية الذي اعتمدتها ثراء المنطقة بغراسات الكروم إلى جانب الحبوب وحاولت إبراز تأثير هذا الازدهار في غراسة الكروم على العلوم الزراعية في الفترة القديمة وتقنيات حفظ والتصرّف في الخمور التي بينتها المصادر الأجنبية وحتى العريية منها التي استعملتها الباحثة كابن حوقل والمسعودي خلال الفترة المتأخرّة من الحقبة القديمة.
في مداخلة ثانية انتقلت بنا إلى الفترة الحديثة وشملت بالدرس مجالا شمل البلاد التونسية وما حولها من بلاد المغارب اختار موضوعها الباحث محمّد العلاقي حول بلاد المغارب في مؤلفات الطبّ الاستعماري خلال الفترة الحديثة تعرّض فيها للكتابات الطبية والمجالس الطبيّة الأوروبية حيث كان الكتابات الأوروبية تنظّر للطبّ كتوظيف بين الحاكم والمحكوم وكانت تحكم على المسلمين ضمن قوالب جاهزة وذلك في إطار ايديولوجيا استعمارية تبرّر الغزو في صورة بلد تعاني من جور الحكّام وكان الجانب الصحّي أحد السبل لتحقيق هدفهم نظرا لأنّ الطبيب الأوروبي كان الأقرب للمجتمع ومطلع على بعض تفاصيله لكن كان دائما يصبغ عليها مواقفه الاستعمارية ضمن خطاب إلغائي يؤكّد بؤس العهد العثماني وسعادة العهد الاستعماري خاصة بالجزائر في مرحلة أولى ثمّ في باقي بلدان شمال افريقيا.
في مداخلة ثالثة ضمن الحصّة الأولى حاولت باحثة دكتوراه تاريخ معاصر سامية الخذيري البحث في مونوغرافيا إحدى المدن التونسية وعنونت مداخلتها "مدينة مساكن في الكتابات الفرنسية". وأبرزت في مداخلتها نظرة الفرنسيين للمدينة العربية عامة ولمسألة التصوّر الشعبي للديني والمقدّس لأهالي مدينة مساكن مقارنة بالمدن الأكثر قداسة بالبلاد التونسية كالقيروان أو العاصمة.
إثر استراحة تواصل فيها النقاش بين الباحثين الشبّان وطلبة التاريخ بالكلية وأساتذتهم خاصة وأنّ ما يحسب لهذا اليوم هو حضور جيّد من الأساتذة باهتمام بالغ من جانبهم ينّم عن رغبة في تحسين مستوى البحث بالكلية وتحضير أرضية خصبة لزيادة الشغف بالتاريخ لدى طلبة القسم، أستهّلت الجلسة العلمية الثانية برئاسة الباحثة الشابة دكتوراه تاريخ حديث وأمينة المال المكتب الفرعي بسوسة نجوى القراوي وقد استهّل باحث ماجستير تاريخ حديث عاطف سالم الحصّة بمداخلة بعنوان صورة الإيالة التونسية في عيون الرسامين المسيحيين خلال القرن 16 نموذجا Jan Cornelisz Vermeyen. وقد انتقل بنا إلى عالم الصورة والرسم بمحاولته استنطاق مجموعة من الرسوم للرسام الهولندي جان كورنليز فارماين تبينّ من خلالها نظرة الرساّم إلى بعض الأحداث التي عرفتها الإيالة خاصة حملة شارل الخامس ومختلف التأويلات التي رافقتها في أذهان الغرب  من جهة وأبناء البلاد من جهة ثانية، إنّ الاستنجاد بالصور والرسوم كروافد أخرى للتاريخ ورغم الافتقار للتكوين في دراسة الأثر الفنّي فإنّ محاولة الباحث كانت مجهودا يشكر نظرا لاستعانته بوثائق ذات طبيعة مختلفة وترقيتها إلى مستوى الوثيقة التاريخية ولو كان من الأجدى مكافتحها بمصادر أخرى حتى يحققّ العمل الإضافة المرجوة.
في مداخلة أخيرة بعنوان تونس في مؤلفات الأثريين من خلال شهادتي عالمي الآثارCagnat et Saladin 1882 قامت باحثة الماجستير تاريخ حديث سنية الخليفي بالاستئناس بشهادتين لعالمي آثار مرّا بتونس واستعانا في عملهما بمنهدسين وأطراف أخرى من أجل اكتشاف مناطق جديدة عرفت لديهم بقصور أهاليها في مختلف المجالات الانسانية :الدينية والعلمية والسياسية.
تخللّ هاته الجلستين وتبعهما نقاش حول الأعمال البحثية المقدّمة بثناء على بعضها ونقد بنّاء للبعض الآخر وأحيانا كان الأمر انتقادا لكنّه يرقى إلى التوجيه أكثر من الانتقاد لغاية الانتقاد فقد راعي الأساتذة الحاضرين ومنهم محمد سعيد، رضا الغضّاب، سفيان بن موسى، عثمان البرهومي وخاصة مدير القسم رضا كعبية حماس الباحثين الشبّان ورغبتهم في تحسين مستوى بحوثهم فتحوّلت الحصّة إلى دروس منهجية استفاد منها جميع الحاضرين خاصة من الباحثين المبتدئين حتى يتعلموّا احترام الوثيقة وتوّخي الموضوعية عند نقاشها وتحليلها بالإضافة إلى التحرّي في اختيار المصطلحات وعدم تبنّي مواقف.   
وتمّ إثر هذه المداخلات فتح باب النقاش وتبادل الباحثين الشبّان من نفس الاختصاص النقاش في مساءل تمّ التطرق إليها في المداخلات خاصة في التاريخ القديم، وما تجدر الإشارة إليه أنّ حضور الأساتذة كان مشجعّا و مثمرا خاصة على الصعيد المنهجي إذ تحوّلت أحيانا إلى ورشة منهجية خاصة في اسثتمار الوثائق والتداخل بين المناهج العلمية والاختصاصات لصالح البحث التاريخي.
لقد كان اليوم الدراسي عموما طيب، وبرغم تسجيل حضور تلاميذ المعهد الثانوي بسوسة في إطار انفتاح الجمعية على المحيط الخارجي واستقطابها لهواة جدد بمادة التاريخ وبرغم تواجد الباحثين الشبّان إلّا أنّه كان بالودّ أن يكون أفضل رغم وجود المعلقات والإعلان بالكلية وهو ما يتطلب من الجمعية مزيد التسويق لمشروعها البحثي وتمثيلها للمؤرّخ الشاب المدافع عن التاريخ...، شكرا جزيلا للجميع للحضور والاستفادة والتنظيم ولإدارة الكلية وقسم التاريخ لتعاونهما. منسقّة اليوم الدراسي وكاتب عام المكتب الوطني للجمعية. 
حنان الزوالي


 
Design by ANJCH