عقد اليوم 18 افريل 2012 المكتب الفرعي للجمعية الوطنية للباحثين الشبان في التاريخ يوما دراسيا اختار له المشرفين عليه عنوان "التاريخ المحلي: واقع وإشكاليات البحث" وقد انتظمت فعاليات الحصص العلمية بتعاون كبير من إدارة كلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة في شخص نائب العميد أستاذ التاريخ المعاصر بالكلية الأستاذ كمال جرفال ومن قسم التاريخ بالكلية في شخص رئيس القسم الأستاذ رضا كعبية لترحيبهم بالفكرة وتشجيعهم لمبادرات أعضاء الجمعية الفتية مع التنويه بمجهود أستاذ التاريخ الحديث بالكلية الأستاذ مراد رقية للمتابعة والاشراف على الحصص العلمية التي أثتها الباحثون الشبان.
لقد تمّ الاختيار على التاريخ المحلي لوضعه محل مساءلة علمية من طرف الباحثين الشباّن لما يكتسيه التأريخ المحلي من أهمية قصوى في عملية إعادة كتابة التاريخ الوطني، وذلك لما توفره الدراسة المونوغرافية، المحدودة في مجاليها الزماني والمكاني، من إمكانية التحري المجهري حول الأحداث والوقائع التي عاشتها المناطق والجهات المختلفة من البلاد، والكشف عن حقيقة مجرياتها، والتعمق في دراسة مختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها هذه المناطق، عن طريق الاستثمار المكثف للإمكانيات الهامة التي توفرها الوثائق المحلية.
انطلقت فعاليات الحصص العلمية بتقديم رئيس المكتب الفرعي للجمعية الباحث محمد العلاقي الذي رحب بالحضور وعرّف بأنشطة الجمعية الفتية. وقد نوّه أستاذ التاريخ المعاصر كمال جرفال المتخصص في المونوغرافيا المحلية بجملة من الأبحاث حول مدينة سوسة بأنشطة الجمعية الوطنية للباحثين الشبان التي بدأت تبرز بخطى ثابتة في المشهد العلمي لحقل التاريخ بفروعها الثلاث مشجعّا لأعضائها على مزيد النشاط في الميدان لما فيه خير البحث. بيّن الأستاذ مراد رقية في مداخلته أهمية التوجه العلمي نحو المحلي بالبحث والغوص في مادته المتوفرة بشكل يسمح باستثمار هذه المادة الثرية في الكشف عن خصائص المجتمع وتجعل الباحث مرتبطا بمحيطه منطلقا منه ممّا يحث على لا مركزية البحث التاريخي ولامركزية المادة التاريخية داعيا في الآن نفسه إلى التفات القائمين على الأرشيف الوطني إلى تركيز وحدات أو فروع اقليمية له تحفظ الوثائق الأرشيفية في مجالها وتقرب الباحث الشاب منها وتكفيه عناء التنقل إلى العاصمة خاصة في بداية مسيرته وتفتح مواطن شغل لمختصين في الأرشيف أو المتحفية بالجهات. انطلقت مداخلات الشباّن الباحثين بمداخلة لباحثة الدكتوراه في التاريخ الحديث بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة نجوى القراوي تمحورت حول التاريخ المحلي من خلال الوثائق القضائية في ستينات القرن التاسع عشر بينت فيها أهمية البحث في أرشيف المحاكم للكشف عن الوضع الجنائي بالمجتمع التونسي مؤكدة أنه رغم جدوى هذه الوثائق في الكشف عن علاقة المجتمع بالسلطة غير أنّها ظلت صامتة ومحدودة الجدوى أمام بعض القضايا.
في مداخلة قيمّة عن "المجتمع بمدينة صفاقس من خلال الأرشيفات المحلية" قام باحث الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس فريد خشارم بتتبع مجهري لأغلب الفئات الاجتماعية بمدينة صفاقس كالمرأة والأثرياء مع تركيز على عائلة محمود عمّار والأهمية البالغة لأرشيف هذه العائلة في خلق تصور عن العائلة المترفة بصفاقس المكتسبة للشرف والمال وطريقة تعايشها ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا كما ركّز على فئة الفقراء من خلال قاموس الأمثال الشعبية المتداولة بالمشافهة والمناقلة بين الأفراد عن الفقر والفقراء. لقد بيّن الباحث أهمية الأرشيفات العائلية كرافد أساسي لدراسة التاريخ المحلي مؤكدا على دور الباحث في التاريخ عن إيجاد تقاطعات هذه الأرشيفات مع الأرشيف الرسمي بحثا عن الحقيقة، كما تعرض للصعوبات الذاتية والمنهجية التي تعترض المتقصي لهذا الميدان خاصة العلاقة مع العائلات المالكة للأرشيف وصعوبة قراءة مدونة المشافهة كالخرافة والدين والأمثال الشعبية في كونها إحدى سبل الكتابة التاريخ المونوغرافي والانطلاق من الخاص إلى العام.
انطلقت فعاليات الجلسة الثانية بمداخلة لباحث دكتوراه في التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة المولدي الحامدي حول "اليد العاملة الأجنبية بالساحل خلال الفترة المعاصرة" ضمنّها احصائيات حول تواجد اليد العاملة الأجنبية خاصة منها الإيطالية والمالطية التي فاق وجودها الوجود الفرنسي وشكلت بروليتاريا حول المدينة وعدد كبير منها بالأرياف ارتبط بالأرض وجعلها مواطن استقرار مثل الحال للنفيضة بالنسبة للجالية المالطية.
تناول في مستوى آخر الباحث في الدكتوراه في التاريخ المعاصر يحي الجابلي بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة موضوع " الحياة اليومية للمرأة بالساحل من خلال نماذج من الدفاتر العدلية" إثر اطلاعه على أرشيف مركز الجنايات بمحكمة سوسة وعلى الشكاوي المدونة به والأحكام العرفية التي بينت له مختلف جنايات المرأة وانتماءات النساء الجناة الاجتماعية والجغرافية إضافة إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تؤدي بالمرأة للانحراف أو ارتكاب الجريمة على تفاهتها أحيانا كما تبين الهياكل الردعية المتخدة ضد النساء كمؤسسة دار جواد للسجن وغيرها. وتبقى هذه المداخلة قيمة لارتباطها بالكشف عن العنصر المغيب في المجتمع التونسي أنذاك وإبراز نصيبه من الجريمة بالبلاد التونسية عموما.
في مداخلة أخيرة تنقلت بنا باحثة الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة عائدة خالد إلى الفضاء الواحي بمداخلة عنوانها "الفضاء الواحي بقفصة من خلال الأرشيفات العائلية" بينت فيه خصوصيات هذا الفضاء الاجتماعية والثقافية اعتمادا على ما اطلعت عليه من أرشيفات عائلية كعقود الزواج وعقود الملكية وما سمحت لها هذه الأرشيفات من متابعة مجهرية لنظام الملكية بالفضاء الواحي بقفصة مبرزة عسر مهمة المؤرخ في كسب ودّ العائلات لإقناعها باسثثمار أرشيفها أكاديميا وعرضه لاستغلال الباحث الأكاديمي وهو ما يعد من أهم ما يواجه الباحث في المحلي للإحراج الذي يقع فيه مع العائلات خاصة.
فتح باب النقاش واثراء الحصص بمداخلات قيمة لمجموعة من الطلبة الباحثين أكدّوا على أهمية المبحث ودعوا إلى التكامل بين اختصاص التاريخ والاختصاصات القريبة منه لتشكل وعي تاريخي سليم بالحدث كما توّلد عنه دعوة لفتح الأرشيفات المحلية سواء بالتأثير على السلطات المعنية أو تكثيف الاتصال بالهياكل المحلية والعائلات لأجل التعاون في سبيل كتابة تاريخ يقترب أكثر من الفرد في بيئته وينطلق من المحلي أو الخاص لفهم العام. ومع ذلك تظل هذه الدعوة للاهتمام بالتاريخ المحلي لا تعني الدعوة إلى انغلاق الباحث في مجاله المحلي بل انفتاحه في الآن ذاته على العام وانفتاحه على المصادر الرسمية والبحث عن تقاطعات لأن المصادر الكلاسيكية وحدها غير كافية للطرافة التي تقدمها المادة المحلية ودقتها والتي تظل أيضا غير واضحة أحيانا دون مقارعتها بالوثيقة أو المصدر الرسمي.
لا يسعنا هنا إلا أن ننوه بمجهود طلبتنا الباحثين وأساتذتنا لإنجاح هذا اليوم الدراسي ممّا يبعث الأمل في تنظيم ملتقيات علمية تكون ثرية وتجعل من التعويل على الباحثين الشبّان وتجديد الثقة فيهم أحد الرهانات للنهوض بالبحث التاريخي في جامعتنا.
منسقة اليوم الدراسي وكاتب عام المكتب الوطني للجمعية الوطنية للباحثين الشبان في التاريخ حنان
الزوالي
الزوالي